أمل شموني
نداء الوطن
يوشك الكونغرس الأميركي على إقرار قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2025-2026، وهو تشريع ضخم بقيمة 886 مليار دولار يُحدد مسار السياسة العسكرية والأمنية الأميركية في العام المقبل. وقال رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون في بيان إن قانون هذا العام يساعد على تعزيز أجندة “السلام من خلال القوة” التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب والجمهوريون، إضافة إلى إنهاء أيديولوجية “ووك” في البنتاغون، وتأمين الحدود، وإنعاش القاعدة الصناعية الدفاعية. وأشار جونسون إلى أنه تم الانتهاء من مشروع القانون بعد أسابيع من النقاش بين الجمهوريين، وسيصوّت عليه مجلس النواب في الأيام المقبلة. وبينما ركزت عناوين الصحف الأميركية على الميزانية القياسية لمشروع القانون، والخلافات الحزبية، وتداعياتها على المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل، بدت أحكام قانون تفويض الدفاع الوطني الخاصة بلبنان أنها تشكل بهدوء آفاق البلد الواقع في مرمى الصراع الإقليمي.
بالنسبة لبيروت، يعكس قانون تفويض الدفاع الوطني فرصةً حيويةً وتحديًا هائلًا في آنٍ واحد – سيختبر قدرة لبنان على الإصلاح، والمرونة، والبراعة الدبلوماسية في منطقةٍ تشهد استقطابًا متزايدًا. فجوهر أحكام قانون الدفاع الوطني المتعلق بلبنان يتمثل في استمرار تقديم المساعدة الأمنية للقوات المسلحة اللبنانية، التي يعتبرها المسؤولون الأميركيون حصنًا منيعًا ضد التطرف والنفوذ الإيراني. لسنوات، اعتمد الجيش اللبناني على التمويل والمعدات والتدريب الأميركي للحفاظ على عملياته. ويوسع قانون الدفاع الوطني لهذا العام هذا الدعم، ما يعكس إجماعًا نادرًا بين الحزبين في واشنطن على أن وجود جيش لبناني موثوق شرط أساسي للاستقرار.
وعلى حد تعبير مسؤول عسكري أميركي سابق، أنه “بدون المساعدة العسكرية الأميركية، ستتعرض قدرة عمل الجيش اللبناني لخطر شديد. فتخبط لبنان في أزمته الاقتصادية تجعله غير قادر على تلبية حتى احتياجات المؤسسة الأساسية”. ومع ذلك، وكما أشار أحد مساعدي الكونغرس المشاركين في صياغة قانون تفويض الدفاع الوطني، فإن “دعم الجيش اللبناني لم يعد شيكًا على بياض. فالرسالة واضحة: الدعم الأميركي ليس مطلقًا، وفي حال ظهور أدلة على تعاون الجيش اللبناني مع “حزب الله”، أو تحويل مسار المساعدات، فقد يُعلق تدفق التمويل أو يُقطع”. من هنا ، يُشدد مشروع القانون شروط المساعدات، إذ يُلزم وزارتي الخارجية والحرب الأميركيتين بالتصديق على أن الجيش اللبناني لا يتعاون مع “حزب الله”، وأنه يُحرز تقدمًا في أمن الحدود، وضبط الأسلحة، واحترام حقوق الإنسان.
وتعكس شروط قانون تفويض الدفاع الوطني، إحباط واشنطن المتزايد إزاء بطء وتيرة بسط السيادة والإصلاح في لبنان، وتفاقم المشكلة المستمرة المتمثلة في البنية التحتية العسكرية لـ “حزب الله”. وقال مصدر دبلوماسي أميركي إن “رسالة الكونغرس واضحة: دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني مشروطٌ باتخاذ إجراءات حقيقية، وليس مجرد وعود”، مضيفًا: “هناك شعورٌ بأن الوضع الراهن – حيث تُسهم المساعدات الأميركية في دعم الجيش اللبناني بينما يواصل “حزب الله” العمل دون عوائق – لم يعد قابلاً للاستمرار”.
عمليًا، هذا يعني أن على الجيش اللبناني أن يسير على حبل مشدود ودقيق. فالمواجهة المفتوحة مع “حزب الله” تُهدد بزعزعة التوازن اللبناني الهش. ومع ذلك، فإن عدم إظهار الاستقلالية قد يُعرّض الدعم الأميركي المُستقبلي للخطر. وسيجد القادة اللبنانيون أنفسهم تحت رقابةٍ مُشددة، مع تقارير وتدقيقاتٍ مُنتظمة من قِبَل المسؤولين الأميركيين. وهذا يعني أن الطبقة السياسية اللبنانية – التي لطالما برعت في التوفيق بين الرعاة المُتنافسين – ستواجه كونغرسًا أميركيًا أكثر حزمًا. فقد أكد خبير أميركي أن الكونغرس “يستخدم نفوذه للدفع نحو ما هو أبعد من مجرد المساعدة العسكرية. هناك توقع واضح بأن تكون هذه المساعدة الأمنية مرتبطة بإصلاحات حوكمة أوسع نطاقًا”.
الرسائل الاستراتيجية: مواجهة “حزب الله” وإيران
إلى جانب التمويل والرقابة، يوجه قانون تفويض الدفاع الوطني رسالة استراتيجية قوية: الولايات المتحدة عازمة على مواجهة نفوذ “حزب الله”، وبالتالي، في ظل طموحات إيران الإقليمية. وتصاعد التوترات على الحدود الجنوبية للبنان، وقلق إسرائيل المتزايد من ترسيخ الوجود الإيراني، تكتسب هذه الإشارة أهمية متجددة. إذ يهدف الربط الصريح للقانون بين المساعدات وعدم التعاون الصارم مع “حزب الله” إلى إعادة تشكيل المشهد الأمني اللبناني. ومع ذلك، وكما تُقر مصادر عسكرية أميركية، فإن قدرة الجيش اللبناني على مواجهة “حزب الله” عسكريًا محدودة. ويقول مصدر دبلوماسي أميركي إن أحكام قانون الدفاع الوطني تعمل كمؤشر على النية الأميركية، ما يطمئن الحلفاء مثل إسرائيل ويرسل تحذيرًا إلى طهران.

