القائمة

تاريخ من النضال والمقاومة ضد الاستبداد.. جبران تويني: صوتٌ ما زال يتردد

في مثل هذا اليوم، اغتال النظام السوري برئاسة الأسد المخلوع أحد أبرز الأصوات الحرّة، جبران تويني، في جريمة غيّبت شخصية عظيمة مثلت رمزًا للحرية والكرامة في وجه التسلط والظلم.
جبران تويني، الصحافي الذي عرف بصراحته وشجاعته، لم يكن فقط مديرًا لصحيفة النهار، بل كان أيضًا صوتًا حرًّا وصارخًا بكتاباته في وجه الإحتلال والنظام المجرم.
تويني لم يتردد في تحدي القوى الظلامية، بل خاض معركة مستمرة ضد قوى الاحتلال السياسي، وهي معركة كانت ستكلفه حياته.

وعندما نعود إلى هذا اليوم الأليم، نرى أن اغتيال تويني لم يكن مجرد عملية قتل، بل كان استهدافًا للحرية الصحافية وللحقيقة ذاتها. كان تويني يراهن على الكلمة الحرة التي لا تخضع لسلطة ولا لتهديدات. لقد كان الصحافي الذي أبى أن يلتزم الصمت، وكان يمثل ضمير الشعب اللبناني، وموقفه كان ثابتًا رغم كل محاولات الترهيب التي تعرض لها.

إلى جانب جرأته الصحافية، كان جبران تويني مخلصًا لقيم الديمقراطية والسيادة الوطنية. وقد عبر عن ذلك في آخر مقالاته قبل اغتياله، حيث أكد على ضرورة وحدة لبنان ورفض الهيمنة الخارجية. موقفه هذا شكل علامة فارقة في مسار الأحداث اللبنانية التي تلت اغتيال رفيق الحريري في 2005، حيث كان يُنظر إليه كأحد أبرز المواقف المعارضة التي ساهمت في إشعال ثورة الأرز.

لكن، وعلى الرغم من قسوة الجريمة ومرارتها، لم تذهب تضحيات جبران تويني سدى. فقد كانت تلك الجريمة نقطة تحول حاسمة في تاريخ لبنان المعاصر.
بعد اغتياله، تحرك الشارع اللبناني، وخرجت مظاهرات ضخمة تطالب برحيل القوات السورية عن لبنان، وفي قلب تلك الحشود كان صوت تويني ما زال يتردد، ليس فقط في أرشيف الصحيفة، بل في وجدان الشعب اللبناني الذي تعلّم أن المقاومة السياسية لا تكون بالقلم فحسب، بل بالعزيمة والإصرار على الحق.

واليوم، ونحن نحيي ذكرى اغتياله، فإننا لا نذكره كصحافي فقط، بل كرمز للمقاومة الوطنية. جبران تويني علمنا أن الحرية ليست مجرد شعار، بل هي مشروع حياة، وأن الكلمة أقوى من الرصاص، إذا ما كانت تحمل معها قناعة ثابتة. يظل تويني، بكل ما يمثله من قيم ومبادئ، أحد المعالم التي تشهد على تاريخ من النضال والمقاومة ضد الاستبداد.

لعل ما يجعلنا نسترجع ذكرى اغتياله بعمق، هو أن جبران تويني لا يزال في قلب الذاكرة اللبنانية والعربية، ليس فقط باعتباره شهيدًا صحافيًا، بل لأنه كان نموذجًا للمواطن الحر الذي لا يخشى من مواجهة الطغيان. ووسط موجات التضليل والتطرف التي تعصف بالعالم اليوم، تبقى دروسه حية في الأذهان: أن الحقيقة، مهما كان الثمن، تبقى دائمًا في النهاية أقوى من كل أشكال الظلم.

رحم الله جبران تويني، ونعاهد أن نبقى على العهد الذي تركه لنا، عهد الحرية، وعهد الكلمة التي لا تُكمم.

يارا الحاج

– إعلان –
اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *