يشكّل ملف الاغتيالات السياسية في لبنان أحد أكثر العناوين المأسوية التي وسمت الحياة الوطنية منذ عقود، فمنذ سبعينات القرن الماضي، تعرّضت البلاد لسلسلة طويلة من الاغتيالات طالت رؤساء وقادة سياسيين وحزبيين وصحافيين ورجال دين، وبقيت بمعظمها إمّا مجهولة الفاعل أو مطموسة التحقيقات، أو عالقة في دهاليز السياسة والتجاذبات الداخلية والإقليمية، ولقد ترسّخت نتيجة ذلك ثقافة الإفلات من العقاب، حتى باتت هذه الجرائم وكأنها تمرّ مرور الكرام، من دون أن تحسم المسؤوليات أو تُظهر الحقائق للرأي العام.
وفي هذا السياق، اتخذ وزير العدل عادل نصّار قرارًا نوعيًا بتعيين محقّقين عدليين في قضايا الاغتيالات السياسية، في خطوة اعتُبرت بمثابة كسر لحلقة الصمت الطويلة، القرار، الذي وصفته الأوساط القضائية بأنّه جريء ومفصلي، يفتح الباب مجددًا أمام القضاء اللبناني ليقول كلمته في قضايا ظلّت لسنوات أشبه بملفات مجمّدة في الأدراج. وهو من شأنه أن يعيد الاعتبار لهيبة الدولة، وأن يضع القضاء في موقع الفعل بدلًا من أن يبقى أسيرًا للشلل والضغوط.
وقد عيّن الوزير نصّار محققين عدليين في هذه القضايا وفق التوزيع الآتي:
• القاضية أميرة صبرا: في قضية اغتيال الشيخ أحمد عسّاف.
• القاضي فادي عقيقي: في قضية محاولة اغتيال المهندس مصطفى معروف سعد.
• القاضي يحيى غبوره: في قضية جريمة الهجوم المسلّح على بلدة إهدن، التي أودت بحياة النائب طوني فرنجية مع أفراد عائلته وبعض مرافقيه.
• القاضي جوزف تامر: في قضية محاولة اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون.
• القاضي آلاء الخطيب: في قضية الحوادث والمواجهات التي وقعت في محلّة بورضاي – بعلبك.
• القاضي فادي صوّان: في قضية اغتيال الوزير السابق إيلي حبيقة.
• القاضي سامر يونس: في قضية اغتيال النائب أنطوان غانم ورفاقه.
• القاضي كمال نصّار: في قضية مقتل الشيخ صالح العريضي في بلدة بيصور.
• القاضي سامي صادر: في قضية اغتيال النائب والوزير الشيخ بيار أمين الجميّل ومرافقه سمير الشرتوني.
• القاضي سامر ليشع: في قضية اغتيال الصحافي سمير قصير.
• القاضي كلود غانم: في قضية اغتيال النائب والصحافي جبران غسّان تويني مع مرافقيه.
إنّ إعادة توزيع هذه الملفات على قضاة محدّدين ليست مجرّد خطوة إجرائية، بل هي إعلان واضح بأنّ الدولة قرّرت أخيرًا مقاربة ملف الاغتيالات من زاوية قضائية صِرفة. فالتاريخ اللبناني حافل بمحطّات مأسوية، بدءًا من اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، مرورًا بمحاولات اغتيال زعماء سياسيين، وصولًا إلى اغتيال شخصيات كبيار الجميّل وأنطوان غانم وجبران تويني وسمير قصير، وقبله اغتيال بشير الجميّل وإيلي حبيقة وغيرهم. هذه الجرائم، التي تراكمت عبر السنين، باتت بمثابة جرح نازف في جسد الدولة، لا يندمل ما لم تتحقّق العدالة.
وفي حديث خاص إلى “نداء الوطن”، أكّد وزير العدل عادل نصّار أنّ “أهمية هذا القرار تكمن في إعادة فتح الملفات وإعادة تحريكها أمام الرأي العام اللبناني حتى الوصول إلى الخواتيم المرجوّة”، مشدّدًا على أنّه “لا توجد مهلة محدّدة لإنجاز التحقيقات، بل إنّ الأمر متروك للقضاء وحده”.
وأوضح نصّار أنّ الهدف هو أن “يتحرّك القضاء بجدّية وأن يبتّ في هذه القضايا بطريقة واضحة وصريحة”، مضيفًا أنّ “استقلالية العمل القضائي أولوية لا مساومة عليها”. وعلى هامش مشاركته في مؤتمر دولي في المملكة العربية السعودية، شدّد الوزير على أنّه “لا يتدخّل في عمل القضاء، وأنّ كل ما يقوم به هو تهيئة الظروف التي تمكّن القضاة من أداء مهامهم باستقلالية كاملة”.
نداء الوطن – ريشار حرفوش