لى قاعدة “رفع سقف قدرات عدوّك وهي في الواقع معدومة بهدف تبرير القيام بعمليات عسكرية ضده” ، يتعاطى الجيش الإسرائيلي مع واقع الأرض على الحدود الشمالية حيث تتمركز فصائل مسلحة تابعة لتنظيمات إرهابية في الداخل السوري وعناصر حزب الله من الجانب اللبناني. وما بينهما الجيش اللبناني الذي يقوم بمهام وضع السواتر وحماية أمن المواطنين .
ففي آخر تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية معلومات تتحدث “عن قلق إسرائيل من تصاعد تهريب الأسلحة عبر الحدود، وسط وجود مخاوف من تسلل مُسلحين. ويذكر التقرير أن المخاوف من عمليات تهريب المخدرات أو المحروقات أو الأسلحة لا تتوقف، فيما تزايدت التحذيرات بأن ما بدأ بتهريب المخدرات والأسلحة على الدراجات الهوائية قد ينتهي بحادث أمنيّ خطير يقتربُ بخطورته من عملية “طوفان الأقصى”، وذلك بغض النظر عن قوته وخطورته”.
هذا الواقع الجديد الذي نشرته إسرائيل في تقريرها يمكن أن يكون واقعياً لجهة تهريب المخدرات والمحروقات بسبب ارتفاع سعره في سوريا، لكن مسألة تهريب الأسلحة لا سيما الثقيلة والمتوسطة لا تبدو منطقية بسبب انتشار أفواج عسكرية متخصصة مدعومة بآليات مراقبة متطورة وتعرف بإسم فوج الحدود على طول حدود لبنان الشمالية من العريضة وصولاً إلى وادي خالد، والشرقية من الهرمل وصولاً إلى جبل الشيخ.
مصادر مراقبة تفيد ” المركزية” أن عمليات التهريب التي كانت رائجة بمعدلات مرتفعة جدا بعد العام 2015 تبدّلت ، وهناك واقع جديد بدأ يتشكل منذ تشرين الأول 2023 ويقوم على تهريب البشر وتسلل المسلحين لأغراض إجرامية”. وتلفت إلى أن الخشية اليوم تتمثل في اندلاع اشتباكات بين فصائل مسلحة تابعة لتنظيمات إرهابية لا تزال موجودة في سوريا مع عناصر من حزب الله عند الحدود الشمالية والشرقية مما يرجح تسلل مجموعات من هذه الفصائل إلى الداخل اللبناني وهذا الأمر يخدم النظام السوري الجديد الذي لا يزال يفتش عن وسيلة ومخرج لطرد هذه الفصائل المرتزقة التي شاركت في الحرب السورية إلى جانب تنظيمات متشددة ومنها داعش.
المصادر نفسها تنفي حصول أي تدخل من قبل الجيش السوري وتستبعد حصول أي اشتباك مع حزب الله علما أنه كان الطرف الحليف له خلال الحرب السورية وقبل سقوط نظام بشار الأسد. وتستند المصادر في نفيها المؤكد على تعهد الشرع الذي أكد بعد انتخابه رئيسا أن الحرب مع لبنان انتهت وهذه نقطة إيجابية، إلا إذا طُلب منه التدخل من جهات دولية وإقليمية للمساعدة في القضاء على الفصائل المسلحة وضرب مراكز حزب الله والقرار في هذه الحال يجب أن يصدر عن الدولة السورية.
مواجهة عمليات التهريب عبر الحدود اللبنانية – السورية تشكل صراعاً مستمراً لا يزال بعيدًا عن تحقيق الانتصار فيه. فكلما يغلق طريقٌ لتهريب المخدرات والأسلحة، يبحث المهربون فوراً عن طريقٍ آخر. وفي الأعوام العشرة الأخيرة، كان الحديث يدور حول وجود أكثر من 130 معبراً برياً غير شرعي بين لبنان وسوريا. لكن عسكريا الحدود تُعد جميعها معبراً واحداً، يضم مئات النقاط المتحركة لعمليات التهريب. وعلى رغم ضبط فوج الحدود الأمن عند 12 معبراً، إلا أن هناك معابر لا تزال تفتقر لأي وجود أمني وعددها يقارب الثمانية قبل سقوط النظام السوري لكنّ الاستقصاء عنه كان مسألة صعبة للغاية، بسبب تداخل السياسة وسيطرة حزب الله على أجزاء كبيرة من الحدود، لتهريب الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى لبنان، ومن سوريا إلى لبنان. وكانت مدينة القصير السورية، “لغز الحكاية”.
اليوم اختلف السيناريو مع تبدل الأوراق والوجوه في سدة الحكم في البلدين. على طول 20 كلم، يمتد ساتر ترابي يفصل بين حدود لبنان وسوريا. وانطلاقا من هذا الواقع، بدأت تظهر مسألة ترسيم الحدود اللبنانية-السورية وهي أحد بنود الورقة الأميركية التي طُرحت على لبنان من منطقة العريضة إلى وادي خالد شمالاً والشرقية من مشاريع القاع حتى نهر العاصي لمنع التهريب، بما في ذلك السلاح والمحروقات. وتلفت مصادر في منطقة القاع أن دور الجيش في حماية الأمن يعزز معنويات المواطنين لكن مسؤولية ضبط التهريب تقع على العناصر الأمنية وهذا غير متوافر حتى الآن.
ولا تقتصر مسؤولية الجيش على وضع السواتر لإغلاق المعابر غير الشرعية بل إن أبراج المراقبة البريطانية التي يتمركز فيها الجيش عند الحدود الشرقية تحديدا تسهم في ضبط الحدود التي تمتد على مسافة 12 كلم وعمق ثمانية كيلومترات في ما تحتاج الحدود مع سوريا إلى الكثير من الإجراءات لكنها لا تزال غير كافية.
حتى الآن تمكن الجيش من إغلاق 175 نقطة عبور غير شرعية في البقاع و65 نقطة عند الحدود الشمالية وتصطدم هذه الجهود بمحاولات إعادة فتحها من قبل بعض العشائر والمهربين. وهذا التحدي يواجهه كل من لبنان وسوريا. يبقى أن إغلاق المعابر غير الشرعية وترسيم الحدود مساران يحتاجان إلى خطط ومفاوضات سياسية وهي انطلقت. لكن يبقى الأهم أن لا تحصل عملية الترسيم بعد معارك على الحدود الشمالية تُفضي إلى دخول فصائل إرهابية مسلحة لا يزال يشكل وجودها في سوريا عقبة من دون التوصل إلى حل في شأنها. وبذلك يكون لبنان كما العادة الساح التي تتلقى تبعات كل حروب المنطقة.
-وكالة الأنباء المركزية – جوانا فرحات

