قال خبراء في الشأن اللبناني إن الحاضنة الشعبية لميليشيا حزب الله تعاني في ظل حياة قائمة على النزوح بعد تدمير مناطقهم في الجنوب والبقاع، إثر دخول الميليشيا في مواجهات مع إسرائيل، والتي كان أكثرها تأثيرًا الحرب الأخيرة، موضحين أن هذه البيئة غير مستعدة لتحمّل تبعات مواجهة جديدة، بعد فقدان السكن ومورد الرزق، والأهم من ذلك أبناؤهم وأقاربهم وذووهم.
وأوضحوا في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن ميليشيا حزب الله ستفقد حاضنتها مع أي مغامرة جديدة، ولا سيما أن تبعات الحرب السابقة لم تنتهِ بعد، في وقت باتت فيه أكثر من 40 قرية في الجنوب قد مُحيت بعد أن دُمّرت كليًّا وجُرفت من قبل إسرائيل، وانتقلت “الحاضنة الشعبية” إلى بيوت مستأجرة في مدن متفرقة وسط ضيق مادي كبير.
وأشاروا إلى أن بيئة حزب الله اليوم، بعيدًا عن الخطاب الإعلامي الرسمي والحماسي للميليشيا وما تروَّج له من التنظيم، يعيشون الألم، ويريدون إبعاد شبح الحرب، ويرفضون تمامًا أن تكون هناك جولة جديدة أو أن يتعرضوا للنزوح والتهجير مجددًا.
والتزمت البيئة الحاضنة لـ”حزب الله” بالتضحية سواء في أرضها أو حياتها أو مسكنها أو ممتلكاتها، وباتت فترات طويلة أسيرة لما يروّجه الجهاز الإعلامي للميليشيا اللبنانية من خطابات صاغها أصحاب الأقلام “الحماسية” والأصوات “النضالية”، لكن المعاناة التي ما زالوا يعيشونها دون أي تحسّن أو حلّ يلوح في الأفق، جعلت “التململ” ينتشر، ولا سيما بعد أن وجدوا أن حياتهم باتت متعلقة بأوامر تأتي من طهران يتحرك على إثرها قادة الميليشيا، دون مراعاة ما وصلت إليه أحوال “البيئة المدنية”.
ويقول الباحث السياسي اللبناني الدكتور عبد الله نعمة، إن الحاضنة الشعبية لحزب الله في الحرب الأخيرة التي خاضها ضمن إسناد غزة، والتي أدخل بسببها لبنان في أتون صراع لم يستطع الخروج منه حتى اليوم، تألمت وعانت، لكنها لا تستطيع أن تتحدث أو تشكو، في وقت سقط فيه نحو 15 ألف ضحية، 90% منهم من المدنيين، ومعظمهم من البيئة الحاضنة.
وأضاف نعمة لـ”إرم نيوز”، أن من يدفع الثمن ليس فقط الحاضنة الشعبية لحزب الله، بل الشعب اللبناني بكل طوائفه، اقتصاديًّا وتجاريًّا ومعماريًّا منذ سنة كاملة، بعد أن انتهت الحرب دون أي تعويضات تُذكر للمتضررين.
وتابع قائلًا إن الذين فقدوا أبناءهم وأقاربهم، والذين دُمّرت منازلهم ومتاجرهم، لم يُعوَّضوا حتى الآن، ولم تُعمَّر المناطق التي تهدّمت، كما لم تنتهِ تبعات الحرب بعد، ولم يَعُد كثير من النازحين إلى قراهم، إذ يوجد نحو 40 قرية في الجنوب دُمّرت كليًّا وجُرفت من قبل إسرائيل ولم تعد موجودة أساسًا، على حد وصفه، وتم تهجير أهلها، ومعظمهم من “الحاضنة الشعبية”، ويعيشون حاليًّا في بيوت مستأجرة بعد أن تضررت حياتهم ماديًّا إثر فقدان أعمالهم وتجارتهم وأراضيهم، في ظل فقدان الأسر مَن يعولها.
وأوضح الباحث السياسي اللبناني أن ميليشيا حزب الله، بعد وقف الحرب، قدّمت لبعض المتضررين مساعدات مؤقتة كبدل إيجار لمدة سنة، لكنها لم تشمل الجميع، ومع انتهاء السنة لم تمنح أي أحد مساعدة جديدة؛ ما فاقم معاناة الناس. وهذه الظروف كلها أثّرت سلبًا في شعبية الميليشيا، فـ”رغم أن اللبنانيين جميعًا يقفون ضد إسرائيل، فإن ذلك لا يعني أنهم يؤيدون حزب الله”، إذ خسر الحزب كثيرًا من شعبيته وسيفقد أكثر في المستقبل، على حد قوله.
وخلص نعمة إلى أن حزب الله اليوم يعيش وضعًا صعبًا في لبنان، وجانب كبير من الدعم له موجه من حركة أمل وزعيمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكنه مع أي حرب جديدة ستكون خسارته كبيرة جدًّا، وإن لم يخض حربًا فسيخسر سياسيًّا أيضًا، لأن الدولة اللبنانية ستعود لتفرض سيادتها بقوة.
من جانبه، يؤكد المختص في الشأن اللبناني جمال ترو، أن الحاضنة الشعبية من المدنيين لحزب الله كانت من بين أوائل من سقطوا ضحايا في الحرب الأخيرة، ومن تبقى منهم فقد أباه أو ابنه أو أخاه أو أحد أفراد عائلته.
وبيّن ترو لـ”إرم نيوز” أن بيئة حزب الله اليوم، بعيدًا عن الخطاب الإعلامي الرسمي والحماسي، وأيضًا عما يروّج له من التنظيم، تعيش الألم، وبالتأكيد تريد إبعاد شبح الحرب، وترفض تمامًا أن تكون هناك جولة جديدة أو أن تتعرض للنزوح والتهجير مجددًا.
وأفاد ترو بأن اللبنانيين الذين هم خارج بيئة حزب الله، والذين احتضنوا أهل مناطقه في المرة الأولى، لم تعد لديهم اليوم القدرة على أن يكونوا حاضنة له من جديد، بغض النظر عن أن الوضع الاقتصادي في لبنان منهار منذ 5 أو 6 سنوات.
وذكر أن من احتضن أهالي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لم يعد لديهم اليوم القدرة على المساعدة كما في السابق، وحتى داخل بيئة حزب الله وبين جمهوره وحاضنته، فإن الوضع الاقتصادي اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه خلال موجة النزوح الأولى، إذ كان حينها الوضع أفضل نسبيًّا.
وأشار إلى أن من تهدمت بيوتهم في الحرب الأخيرة قاموا بترميمها بجهودهم الخاصة، وسط شكوك حول قدرة حزب الله الحالية على دعم النازحين بعد أن تخلى عنهم في المرة الأولى، كما أن الدولة اللبنانية نفسها لا تملك القدرة على تغطية تكاليف النزوح أو تعويض المتضررين.
وختم ترو قائلًا، إن في حال شن حرب جديدة على لبنان، فلن تتأثر فقط الحاضنة الشعبية لحزب الله، بل الشعب اللبناني بأكمله، بعد ما جرى سابقًا من فقدان المنازل ومصادر العيش، وما يعيشه الداخل اللبناني من أزمات خانقة في كل المجالات، وتعطيل الكثير من الاستثمارات والمشروعات خوفًا من الحرب.
-إرم نيوز – محمد حامد

