في لحظة سياسية دقيقة تسبق الاستحقاق النيابي، يطفو إلى السطح مجدداً ملف حق اللبنانيين المنتشرين في الخارج بالتصويت الكامل. هذا الحق، الذي يفترض أن يكون بديهياً ومكفولاً دستورياً، تحوّل إلى ساحة تعطيل ومساومات، بعدما تعمّد رئيس مجلس النواب نبيه بري منع إدراج البند على جدول أعمال البرلمان، متكئاً على صلاحياته في التحكم بمسار الجلسات، مدركاً أن مجرد إدراج الملف سيقود تلقائياً إلى إقراره.
الوقت لم يعد يتسع لمزيد من المماطلة، فيما تتجه الأنظار إلى رئيس الحكومة نواف سلام الذي يملك بيده مفتاح كسر الحلقة المفرغة عبر تقديم مشروع قانون معجل مكرر يلغي المقاعد الستة المخصّصة للمغتربين، ويكرّس حقهم بالتصويت على أساس المقاعد الـ128. خطوة من هذا النوع ستضع بري في الزاوية، لأنها ستفرض على المجلس مواجهة استحقاق لا يمكن دفنه خلف ذرائع إجرائية أو اعتبارات سياسية.
إن تقديم المشروع من الحكومة لا يفتح الباب أمام نقاش إضافي بقدر ما يفرض إقراراً واقعياً بحق أساسي، ويمنع استمرار الالتفاف على الدستور وعلى مبدأ المساواة بين اللبنانيين. المسألة لم تعد قضية تفصيلية أو ثانوية، بل هي امتحان حقيقي لقدرة السلطة التنفيذية على الدفاع عن السيادة الدستورية بوجه من يحتكر سلطة التشريع ويجعلها رهينة قراراته.
اليوم، الكرة في ملعب الحكومة. إما أن تتحلى بالجرأة وتدفع بالمشروع قدماً لتثبيت مشاركة المنتشرين، وإما أن يبقى صوت مئات الآلاف من اللبنانيين في الخارج معلقاً على مزاج رئيس المجلس. فالحقوق السياسية لا تُستجدى ولا تُرهن، بل تُنتزع بموقف حاسم يضع الأمور في نصابها، ويعيد التوازن إلى الحياة الديموقراطية في لبنان.
-نعيم القصيفي