لطالما ارتبطت حركات المقاومة الإسلامية في منطقتنا من الإخوان المسلمين إلى حماس، وصولاً إلى حزب الله بصور لا تُمحى: رجال متواضعون في حياتهم الخاصة، ملتزمون دينيًا وأخلاقيًا، خطاباتهم تمزج البلاغة القرآنية مع الصرامة العسكرية، وأفعالهم الميدانية تثبت صدقهم في مواجهة العدو. من حسن نصرالله إلى هاشم صفي الدين، ومن قادة حماس القدامى إلى رجالات المقاومة، كانت هذه الشخصيات رمزًا للالتزام، وللقدرة على التضحية.
لكن اليوم، أمامنا نموذج غريب، ينهش هذا الإرث بشراسة ونجمه “وفيق صفا”. شخص يظهر في الشارع محاطًا بصبية زعران، يتحدث بلغة السوق، بلهجة محلية بعيدة كل البعد عن الخطاب الديني أو الأخلاقي، ولا يلمح لأي شكل من أشكال المقاومة الفعلية، يضحك ويصيح، يلوّح بيده كزعيم عصابة، يدخن الإيكوس ويبتسم وكأن لا عدو يهدد بلاده، لا فعل ميداني يذكر، مجرد رجل عصابة صغير محاط بالهيبة الزائفة لصبية الشارع.
ما يثير الدهشة أكثر هو حرية هذا الظهور، وكأن الحزب الذي يفترض أن يمثله قد فقد كل رموزه، وأصبح مجرد واجهة مدنية بلا جوهر. هل هذه هي الصورة الجديدة لمحور الممانعة؟ حركة عصابات داخل الشوارع، تخلو من أي مشروع أو استراتيجيا تحاكي المستقبل؟
وفيق صفا ليس مجرد شخصية؛ إنه انعكاس لحركة فقدت البوصلة، حركة يمكن أن تتواجد بلا تهديد لسخرية تأثيرها على أرض الواقع، بينما بقيت الرموز الكلاسيكية على عكسه، صلبة، ملتزمة، حقيقية. المقارنة هنا لا تثير الأسى فقط، بل تسائلنا عن مستقبل الحركات التي أرست مجدها على التضحية والمواجهة: هل نحن أمام تحول جذري في طبيعتها، أم أن هذا الفرد هو مجرد استثناء ساخر من التاريخ؟
-نعيم القصيفي