القائمة

بشير لم يُغتَل، بل صار وطنًا مفقودًا

يوم الرابع عشر من أيلول عام 1982، لم يُغتل رجل فقط، بل اغتيل مشروع وطن. بشير الجميّل لم يكن مجرد رئيس منتخب، بل كان رمزًا لوطن يُبنى على السيادة والحرية والكرامة. لحظة الانفجار في بيت الكتائب بالأشرفية لم تقتل جسده وحده، بل أصابت قلب لبنان، وفتحت جرحًا ما زال ينزف حتى اليوم.

بشير، الشاب الذي حمل طموح دولة أقوى من الطوائف وأكبر من الميليشيات، اختصر في أيامه القليلة مسيرةً حلم بها اللبنانيون لعقود. كان أصغر الرؤساء، لكنّه الأكبر مشروعًا ورؤيةً. جمع حوله أبناء كل الطوائف، وصنع حالة استثنائية لم يعرفها لبنان قبله ولا بعده.

اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على استشهاده، يتأكد اللبنانيون أن خسارته لم تكن عابرة. فالوطن الذي حلم به تبدّد بين أيدي طبقة سياسية عاجزة، غارقة في الفساد والارتهان. والدولة التي أرادها قوية خُطفت على يد ميليشيا تكبل قرارها بقوة السلاح، وتربط مصير اللبنانيين بأجندات غريبة عن تاريخهم وهوية وطنهم على مدى 42 عامًا.

ومع ذلك، يبقى بشير حيًّا في الذاكرة والوجدان. ليس مجرد ذكرى سنوية ولا شعارًا عابرًا، بل مشروعًا دائمًا: لبنان السيد، الحر، المستقل. كل جيل يولد ويترعرع على صوته وخطابه يدرك أن هذا الرجل لم يمت، وأن الشعلة التي أوقدها ما زالت تنير الدرب وسط عتمة الانهيار.

قد يسأل كثيرون: لو عاش بشير، هل كان لبنان اليوم مختلفًا؟ الجواب حاضر في قلوب محبّيه وخصومه على السواء. نعم، لأن لبنان الذي حلم به لا يزال الحلم الأكبر، والنداء الأصدق، والجواب الوحيد على سؤال المستقبل.

بشير لم يُغتل، بل صار وطنًا مفقودًا.

-نعيم القصيفي

– إعلان –
اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *