القائمة

بشير الجميّل: رئيس استثنائي وإرث لا يموت

في خضم واحدة من أعقد المراحل التي مرّ بها لبنان، حيث كانت الحرب الأهلية في أوجها، والمؤسسات الرسمية على شفير الانهيار، وكان لبنان ساحةً مفتوحة لتدخلات إقليمية ودولية متشابكة، شهدت الجمهورية اللبنانية حدثًا مفصليًا، تمثّل بانتخاب بشير الجميّل رئيسًا للجمهورية.

لم يكن انتخاب الرئيس الجميّل مجرد حدث دستوري تقليدي، بل عكس في جوهره صدمة سياسية وأملًا شعبيًا لدى شريحة واسعة من اللبنانيين الذين رأوا فيه قائدًا شابًا يمتلك رؤية مختلفة، وإرادة صلبة لإعادة بناء الدولة اللبنانية.

بشير الجميّل، ابن مؤسس حزب الكتائب بيار الجميّل، تميّز بشخصية قيادية فذّة، جمعت بين الجرأة السياسية والعسكرية من جهة، والحنكة في إدارة التحالفات من جهة أخرى.

انتخابه رئيسًا جاء تتويجًا لمسار طويل من المواجهة مع الاحتلالات والميليشيات، وسعيًا واضحًا لتحرير القرار اللبناني من الهيمنة الخارجية، لا سيّما من الوصاية السورية والتدخل الفلسطيني المسلّح آنذاك.

رؤية بشير الجميّل لم تكن طموحات شخصية، بل كانت مشروعًا متكاملًا لدولة مدنية، عادلة، منظمة، تقوم على: سيادة القانون، توحيد المؤسسات، العدالة والمساواة.

وللأسف، لم تُتح الفرصة لبشير الجميّل لتنفيذ مشروعه، فبعد 21 يومًا فقط من انتخابه، ، تم اغتياله بتفجير استهدف مقر حزب الكتائب في الأشرفية، ما شكّل صدمة كبيرة للشارع اللبناني، وأجهض ولادة مشروع وطني كان من الممكن أن يغير مجرى التاريخ اللبناني.

اغتيال بشير لم يكن مجرد نهاية لرئيس، بل كان محاولة اغتيال لفكرة لبنان السيد، القوي، العادل. وقد ترك غيابه فراغًا لم يُملأ حتى اليوم، لا سيما في ظل استمرار التحديات ذاتها التي واجهها، من ضعف الدولة، وتفكك المؤسسات، وتعدد الولاءات.

رغم مرور أكثر من أربعة عقود على رحيله، لا يزال اسم بشير الجميّل حاضرًا بقوة في وجدان الكثير من اللبنانيين، كمثال للقائد الجريء الذي تجرّأ على الحلم بدولة حقيقية وسط الفوضى، ودفع حياته ثمنًا لهذا الحلم.

إن انتخاب بشير الجميّل كان لحظة فارقة في تاريخ لبنان، جسّدت توقًا عميقًا لدى الشعب لقيام دولة قوية، عادلة، ومنظمة. ورغم أن الاغتيال أوقف المسيرة، إلا أن الفكرة باقية، والإرادة الوطنية التي مثّلها لا تزال تلهم الأجيال القادمة.

يارا الحاج

– إعلان –
اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *